موندريان
جذبني أسم (بيت موندريان) , حين قرأت عنوان البحث فهمت لأول وهلة أن الكلمة تعني المنزل أو الدار, أى( دار موندريان ) مما قد جذبني العنوان و أستوقفني , و لكن عندما قرأت البحث فوجدت الكاتب يقصد ( بيت ) هو اسم الفنان , هو فعلا فنان هولندى اسمه الأول ( بيت Piet) و أسم عائلته ( موندريان Mondrian) , لاشك أن بحث الكاتب في حياة بيـت موندريان الفنية قد أقتفي أثره بحب و فضول ابتداءا من موطنه في هولندا الي هجرته الفنية الي باريس ثم هربه من أهوال الحرب العالمية الثانية الي لندن ثم أخيرا نزوحه الي نيويورك حيث أجتمع مع مجموعة من بقية أصدقائه الفنانين و الأدباء و كوّنوا صحبة من المبدعين هناك تنبذ الحرب و تدعو الي الحرية , الحرية التي أقصدها هنا هي الحرية من اذلال الأنسان في الحروب وحرية الأنسان من قيود السيطرة عليه بأى مفهوم ذو قوى قاهرة , وأعتقد هذه الفترة الأخيرة التي عاشها موندريان في نيويورك تشبه الفترة الزمنية التي يعيشها وطننا العربي الآن مع اختلاف الشكل و المضمون. لا شك أن الغناء الجماعي و ممارسة الفن الفردى و سقوط الضوء عليه يؤدى دورا لا يفني.
تقديرى للكاتب علي هذا الجهد و هذا الأسهاب في المعلومات , ولكن هل يسمح الكاتب لي بتعليق عن فترة تواجد موندريان في باريس , فكما نعلم جميعا أن الفنان يتأثر بما حوله بشكل أو بآخر ليس فقط بالطبيعة و الفكر والسياسة و الأدب و لكن يتأثر أيضا بما ينتجه الفنانين حوله من أعمال فنية , فأنتاج الفنان هو صورة شخصية للمناخ الذى يعيش فيه الأنسان , و تصور شخصي من الفنان للأحداث التي تدورحوله ومجموع هذه الصور و التصورات الشخصية تصنع شخصية عامة للمكان و الزمان الذى يعيشون فيه هؤلاء الفنانين , هذا نستطيع أن نلمسه بوضوح في جميع المدارس الفنية من بداية التاريخ حتي الفن في عصرنا الحديث.
سوف أتحدث فقط عن نقطتين ذات أهمية تحليلية للفنان في هذا البحث وهي التأثر و التأثير و الأخذ و العطاء:
. التأثر هو كما نفهم جميعا تفعيل الرؤية البصرية و الذهنية و الحسية لدى الأنسان و يتم ( الأخذ ) بموجبه و هو ما يسمي بالوحي.
. العطاء هو خلط هذه الرؤية الشخصية بالمكتسبات العامة , وهذا يؤدى الي نتيجة هي ( التأثير ) , و هكذا يحدث النمو ويحدث التطور في الفن وبالطبع في المجالات الأخرى.
فالتأثر شيء لا غبار علي , بل أستطيع أن أقول أنه قد يستخدم كمقياس يستطيع نقاد و محللي الفن اعطاء صورة عامة لفترة من النشاط الأنساني في المجتمع والنشاط الأنساني في المجتمعات المجاورة. و هذا مهم و ضرورى لمعرفة كيف و أين تسير الحياه و كيف نساهم نحن كفنانين و كمبدعين في تنميتها و تذوقها و الأستمتاع بها , فأنت تستمتع بالشيء عندما تعلمه بحسك و ذوقك و ذهنك.
أما العطاء:
يقول الكاتب في بحثه هذا أن موندريان (اصبح يعتقد في إن التكعيبية قد فشلت في التعبير عن نقاء الوجود المادي ) , يبدو من هذه الكلمات أن هذا أسلوب تقريرى مباشر يستند علي مفهوم واحد , ألا وهو نقاء الوجود المادى , أعتقد أن الكاتب يقصد بالوجود المادى هو المنظر الطبيعي الذى يحيط بالأنسان أو المنشآت المعمارية التي صنعها الأنسان أو كلاهما معا, و أن التكعيبية قد فشلت في التعبير عن ( نقاؤها) , لا أفهم بالضبط ما هو المقصود بالنقاء في هذا الشأن , ربما يقصد الفطرة الطبيعية للأشياء أوالقدرة الألهية لتفعيل هذا الوجود المادى , ممكن الكاتب أن يوضح مقصوده بهذا المعنى حتي يتسني لنا الحوار . وأعتقد أن الكاتب يريد أن يقول أنه من ثم فقد ذهب موندريان الي ابتكار اسلوب جديد مندفعا أو منطلقا من هذا المعني و هو التعبير عن نقاء الوجود المادى, لأنه قد فهم أن التكعيبية عجزت عن التعبير عن هذا المعني. و في الحقيقة نستطيع القول بأن موندريان بعد أن تأثر بالتكعيبية قد عكف علي تطويرها برؤيته و ممارساته للفن بشكل طبيعي غربي حتي قدم لنا هذه الأبداعات الفنية في لوحاته التي نشاهدها في المتاحف العالمية اليوم , و أصبح هذا الفن يسمي في عصرنا الحديث بالفن الهندسي , وهو فن يشبه فن التجريد و لكن عناصره هي النقطة و الخط و الدائرة.
تقديرى أيها الكاتب علي مجهودك العظيم , و شكرا علي هذا الحوار , فهذا حوار مع نفسي و تحياتي الي السادة القراء و المهتمين بالفن , و الحوار مفتوح , فالفن شيئا عظيم ,
و ياليت العالم كله أن يكون فنانا.
تحياتي
Bookmarks